Psychological Theories on Perception of Reality

النظريات النفسية على تصور الواقع

الإدراك هو العملية التي نترجم من خلالها المعلومات الحسية وننظمها لإنتاج تجربة ذات معنى عن العالم. وهو ليس مجرد استقبال سلبي للمحفزات، بل هو بناء فعّال يتأثر بالعمليات المعرفية كالانتباه والذاكرة والتوقعات والمعرفة السابقة. إن فهم كيفية تشكيل هذه العمليات المعرفية لإدراكنا للواقع أمرٌ بالغ الأهمية لفهم السلوك البشري واتخاذ القرارات والتفاعلات الاجتماعية. تستكشف هذه المقالة نظريات نفسية مختلفة تشرح كيف تبني عقولنا الواقع، وتدرس التفاعل بين المدخلات الحسية والوظائف المعرفية.

طبيعة الإدراك

يتضمن الإدراك تحويل المُدخلات الحسية إلى تمثيل مُتماسك للبيئة. هذا التحويل ليس مباشرًا، بل يخضع للتفسير، ويتأثر بإطارنا المعرفي.

الإحساس مقابل الإدراك

  • إحساس يشير إلى البيانات الخام التي تتلقاها المستقبلات الحسية (العينين، والأذنين، والجلد، وما إلى ذلك).
  • تصور هو تفسير هذه المدخلات الحسية، مما يؤدي إلى تجربتنا للواقع.

في حين أن الإحساس يوفر المعلومات، فإن الإدراك ينظمها ويفسرها، متأثرًا بالعمليات المعرفية.

العمليات المعرفية المؤثرة على الإدراك

هناك العديد من العوامل المعرفية التي تؤثر على كيفية إدراكنا للواقع:

انتباه

يُحدد الانتباه المعلومات التي نعالجها. يتيح لنا الانتباه الانتقائي التركيز على مُحفِّزات مُحددة مع تجاهل مُحفِّزات أخرى، مما يؤثر على إدراكنا.

  • تأثير حفل الكوكتيل:القدرة على التركيز على محادثة واحدة في بيئة صاخبة.
  • العمى غير الانتباهي:عدم القدرة على ملاحظة المحفزات غير المتوقعة عندما يتركز الانتباه في مكان آخر.

ذاكرة

تؤثر التجارب السابقة المخزنة في الذاكرة على الإدراك من خلال توفير سياق لتفسير المعلومات الحسية.

  • نظرية المخطط:الأطر العقلية التي تساعد على تنظيم وتفسير المعلومات بناءً على التجارب السابقة.
  • فتيلة:يؤثر التعرض لمحفز ما على الاستجابة لمحفز لاحق، مما يشكل الإدراك.

التوقعات والمعرفة السابقة

ما نتوقع رؤيته يؤثر على ما ندركه.

  • مجموعة إدراكية:الاستعداد لإدراك المحفزات بطريقة معينة بناءً على التوقعات.
  • المعالجة من أعلى إلى أسفل:تفسير المعلومات الحسية من خلال توجيه العمليات المعرفية على مستوى أعلى.

وجهات نظر نظرية حول الإدراك

علم النفس الجشطالتي

يؤكد علم النفس الجشطالتي على أن الإدراك ككل أكبر من مجموع أجزائه. ويقترح أننا ننظم المعلومات الحسية بشكل طبيعي في أنماط ذات معنى.

  • مبادئ الإدراك الجشطالتي:
    • الشكل والأرض:التفريق بين الجسم (الشكل) وخلفيته (الأرض).
    • القرب:الأشياء القريبة من بعضها البعض يتم إدراكها كمجموعة.
    • تشابه:يتم تجميع الكائنات المتشابهة معًا.
    • الاستمرارية:إدراك الأنماط المستمرة بدلاً من الأنماط المتقطعة.
    • إنهاء:ملء الفجوات لإدراك الصورة الكاملة.

توضح هذه المبادئ كيف تعمل العمليات المعرفية بشكل نشط على تشكيل الإدراك من خلال تنظيم المدخلات الحسية في كليات متماسكة.

النظريات البنائية

تشير النظريات البنائية إلى أن الإدراك يتشكل من المدخلات الحسية والعمليات المعرفية.

  • نظرية ريتشارد جريجوري:يقترح أن الإدراك هو عملية اختبار الفرضيات حيث يقوم الدماغ باستنتاجات بناءً على التجارب والتوقعات السابقة.
  • الفرضيات الإدراكية:تفسيرات الدماغ للمعلومات الحسية، والتي يمكن أن تؤدي إلى الأوهام إذا كانت غير صحيحة.

نظرية الإدراك المباشر

على النقيض من البنائية، جيمس جيه جيبسون النظرية البيئية يزعم أن الإدراك مباشر ولا يتطلب عمليات معرفية عالية المستوى.

  • الإمكانيات:فرص العمل التي توفرها البيئة، والتي يتم إدراكها بشكل مباشر دون وساطة معرفية.
  • التدفق البصري:أنماط الحركة في المجال البصري التي توفر معلومات حول السرعة والاتجاه.

وفي حين يعترف جيبسون بدور المدخلات الحسية، فإنه يقلل من تأثير العمليات المعرفية، مما يشير إلى أن الإدراك يتعلق باكتشاف المعلومات أكثر من تفسيرها.

المعالجة من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى

يتضمن الإدراك المعالجة من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل.

  • المعالجة من الأسفل إلى الأعلى:نهج قائم على البيانات حيث يبدأ الإدراك بالمدخلات الحسية، مما يؤدي إلى إدراك معقد.
  • المعالجة من أعلى إلى أسفل:نهج قائم على المفاهيم حيث يتأثر الإدراك بالتوقعات والمعرفة والخبرات.

تتفاعل كلتا العمليتين لتشكيل الإدراك، حيث تعمل المعالجة من الأعلى إلى الأسفل على ملء الفجوات أو حل الغموض في المعلومات الحسية.

التحيزات المعرفية والإدراك

التحيزات المعرفية هي أنماط منهجية من الانحراف عن القاعدة أو العقلانية في الحكم، مما يؤثر على الإدراك.

التحيز التأكيدي

  • الميل إلى البحث عن المعلومات وتفسيرها وتذكرها والتي تؤكد الأفكار المسبقة.
  • يؤثر على الإدراك من خلال تركيز الانتباه على المعلومات التي تدعم المعتقدات الموجودة.

تأثير التثبيت

  • الاعتماد بشكل كبير على أول معلومة نواجهها (المرساة) عند اتخاذ القرارات.
  • يؤثر على الإدراك من خلال تأطير المعلومات اللاحقة حول المرساة.

التوفر الاستدلالي

  • المبالغة في تقدير أهمية المعلومات التي تخطر على البال بسهولة.
  • يشكل الإدراك من خلال جعل المعلومات المتاحة بسهولة تبدو أكثر أهمية.

تُظهر هذه التحيزات أن الإدراك ليس موضوعيًا بحتًا، بل يتأثر بالاختصارات والأخطاء المعرفية.

الإدراك الاجتماعي وإدراك الواقع

ويتشكل الإدراك أيضًا من خلال السياقات والتفاعلات الاجتماعية.

نظرية الإسناد

  • يوضح كيف يستنتج الأفراد أسباب سلوك الآخرين.
  • خطأ الإسناد الأساسي:المبالغة في تقدير سمات الشخصية مع التقليل من أهمية العوامل الظرفية في تصرفات الآخرين.

نظرية الهوية الاجتماعية

  • يرى الأفراد الواقع من خلال عدسة العضوية في المجموعة.
  • التحيز داخل المجموعة:تفضيل الفرد لمجموعته الخاصة، مما يؤثر على تصور الآخرين له.

الصور النمطية والتحيز

  • إن التعميمات المفرطة في التبسيط حول المجموعات تؤثر على إدراك وتفسير السلوكيات.

تسلط هذه العمليات المعرفية الاجتماعية الضوء على أن الإدراك متشابك مع الفهم الاجتماعي والتحيزات.

وجهات نظر علم الأعصاب

لقد قدمت التطورات في علم الأعصاب رؤى حول الآليات الدماغية التي تكمن وراء الإدراك.

المسارات العصبية للإدراك

  • المسارات البصرية:من شبكية العين إلى القشرة البصرية، تبدأ المعالجة بميزات بسيطة وتتقدم إلى تمثيلات معقدة.
  • المعالجة المتوازية:المعالجة المتزامنة لجوانب متعددة من التحفيز (اللون، الشكل، الحركة).

الخلايا العصبية المرآتية

  • الخلايا العصبية التي تنطلق عند القيام بعمل ما وعند ملاحظة نفس العمل الذي يقوم به شخص آخر.
  • المشاركة في فهم نوايا الآخرين ومشاعرهم، والتأثير على الإدراك الاجتماعي.

اللدونة العصبية

  • قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه من خلال تكوين اتصالات عصبية جديدة.
  • يمكن للخبرة والتعلم أن يغيرا العمليات الإدراكية.

يؤكد علم الأعصاب أن الإدراك هو عملية ديناميكية تتشكل من خلال البنى العصبية والتجارب.

الأوهام الإدراكية والواقع

تكشف الأوهام الإدراكية عن التناقضات بين الواقع المادي والإدراك الذاتي، مما يسلط الضوء على دور العمليات المعرفية.

الأوهام البصرية

  • وهم مولر-لاير:تظهر الخطوط ذات الطول المتساوي مختلفة بسبب نهاياتها التي تشبه السهم.
  • غرفة أميس:غرفة مشوهة تخلق أوهامًا بالحجم بسبب إشارات العمق التي تم التلاعب بها.

الأوهام السمعية

  • تأثير ماكجورك:تؤثر المعلومات البصرية على الإدراك السمعي، مما يدل على التكامل المتعدد الحواس.

تشير الأوهام إلى أن الإدراك يتم بناؤه بواسطة الدماغ، وليس مجرد انعكاس مباشر للمدخلات الحسية.

الإدراك في علم النفس المرضي

يمكن أن تؤدي العمليات الإدراكية المتغيرة إلى تصورات مختلفة للواقع، كما نرى في الاضطرابات النفسية المختلفة.

فُصام

  • يتسم بالهلوسة والأوهام.
  • الهلوسة:إدراك المحفزات التي ليست موجودة.
  • الاختلالات الإدراكية:يؤثر ضعف الانتباه والذاكرة والوظائف التنفيذية على الإدراك.

اكتئاب

  • التحيزات المعرفية السلبية تؤدي إلى تفسيرات متشائمة للواقع.
  • يؤثر على إدراك الذات والآخرين والمستقبل.

اضطرابات القلق

  • تؤدي الحساسية المتزايدة للتهديدات إلى تغيير الإدراك.
  • فرط اليقظة:الاهتمام المفرط بالمخاطر المحتملة.

يساعد فهم هذه التغيرات في تطوير التدخلات العلاجية التي تستهدف العمليات المعرفية.

التأثيرات الثقافية على الإدراك

تؤثر الثقافة على العمليات المعرفية، وتؤثر على كيفية إدراك الواقع.

الفردية مقابل الجماعية

  • الثقافات الفردية:التركيز على الأهداف الشخصية، مما يؤدي إلى الإدراك التحليلي الذي يركز على الأشياء بشكل مستقل عن السياق.
  • الثقافات الجماعية:التركيز على أهداف المجموعة، مما يؤدي إلى تصور شامل يركز على العلاقات بين الأشياء والسياق.

اللغة والإدراك

  • النسبية اللغوية (فرضية سابير-وورف):اللغة تؤثر على الفكر والإدراك.
  • تقوم اللغات المختلفة بتصنيف الألوان والعلاقات المكانية والوقت بشكل مختلف، مما يؤثر على الإدراك.

وتسلط العوامل الثقافية الضوء على أن الإدراك ليس عالميًا بل يختلف عبر المجتمعات.

الإدراك المتجسد

يشير الإدراك المجسد إلى أن الإدراك يعتمد على التفاعلات الجسدية مع البيئة.

التكامل الحسي الحركي

  • ينشأ الإدراك من التفاعل بين الأنظمة الحسية والأفعال الحركية.
  • مثال:إن إدراك حجم الكائن يتضمن الإجراءات المحتملة المتعلقة بالكائن.

تأثير الحالات الفيزيائية

  • يمكن للحالات الجسدية أن تؤثر على العمليات الإدراكية.
  • الدفء والإدراك الاجتماعي:الدفء الجسدي يمكن أن يؤدي إلى تصورات الدفء الاجتماعي.

يؤكد الإدراك المجسد أن الإدراك عملية نشطة تشمل الجسم بأكمله، وليس الدماغ فقط.

خاتمة

إدراك الواقع تفاعلٌ معقد بين المُدخلات الحسية والعمليات المعرفية. تُشير النظريات النفسية إلى أن الإدراك ليس انعكاسًا سلبيًا للعالم الخارجي، بل هو بناءٌ فعّالٌ يُشكّله الانتباه والذاكرة والتوقعات والسياق الاجتماعي والخلفية الثقافية. يُتيح فهم هذه العمليات فهمًا أعمق للسلوك البشري والإدراك وتنوع التجارب الإنسانية. كما يُؤكد على أهمية مراعاة العوامل البيولوجية والنفسية التي تُساهم في إدراكنا للواقع.

مراجع

  1. جولدشتاين، إي بي (2014). علم النفس المعرفي: ربط العقل والبحث والتجربة اليومية.سنغاج ليرنينج.
  2. جريجوري، ر.ل (1997). العين والدماغ: علم نفس الرؤية. مطبعة جامعة برينستون.
  3. روك، أنا. (1983). منطق الإدراك. مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
  4. جيبسون، جيه جيه (1979). النهج البيئي للإدراك البصري. هوتون ميفلين.
  5. نيسر، يو. (1967). علم النفس المعرفي. أبلتون-سنشري-كروفتس.
  6. كانيمان، د. (2011). التفكير، السريع والبطيء. فارار، شتراوس وجيرو.
  7. أولبورت، جورج واشنطن (1954). طبيعة التحيز. أديسون-ويسلي.
  8. كوسلين، إس إم، وأوشرسون، دي إن (المحررون). (1995). الإدراك البصري. مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
  9. شاكتر، لاعب خط وسط، جيلبرت، لاعب خط وسط، وويجنر، لاعب خط وسط (2011). علم النفس. دار وورث للنشر.
  10. فاريلا، إف جيه، طومسون، إي، وروش، إي. (1991). العقل المتجسد: العلوم المعرفية والتجربة الإنسانية. مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
  11. باريت، إل إف، ميسكيتا، بي، وجندرون، إم. (2011). السياق في إدراك العاطفة. الاتجاهات الحالية في العلوم النفسية، 20(5)، 286-290.
  12. كيتاياما، س.، وأوسكول، ألاسكا (2011). الثقافة والعقل والدماغ: الأدلة الحالية والتوجهات المستقبلية. المراجعة السنوية لعلم النفس، 62، 419-449.
  13. فريث، سي دي (2007). تكوين العقل: كيف يخلق الدماغ عالمنا العقلي.دار بلاكويل للنشر.
  14. برينز، جيه جيه (2004). ردود الفعل المعوية: نظرية إدراكية للعاطفة. مطبعة جامعة أكسفورد.
  15. مازوني، جي، وميمون، أ. (المحررون). (2003). علم نفس الذاكرة. مطبعة علم النفس.

← المقال السابق المقال التالي →

العودة إلى الأعلى

العودة إلى المدونة